موضوع بحث عن لقمان الحكيم

مَن هو لُقْمانُ الحَكيمُ وما قصّتُه؟ يُعرَفُ لقْمانُ بالحِكمَةِ الواسِعةِ التي ميَّزَتْهُ عن غيرِه وذَكَرَهُ اللهُ – عزَّ وجلَّ – في القرآنِ وسمِّيتْ سورةٌ باسْمِه تقديرًا لحكمتِه وعِظَتِه وُلِدَ في بلادِ النّوبةِ وعاشَ فيها وكانَت الوصايا التي قدَّمَها مليئَةً بالمواعظِ والدُّروسِ القَيِّمَةِ التي يمكنُ لكلِّ إنسانٍ الاستفادةُ منها في حياتِه وتطبيقُها في واقعِه أنعَمَ اللهُ عليه بالحِكمةِ التي لا يملكُها إلّا القليل منَ النّاسِ.

تمهيد حول حكمة لقمان ونشأته

خلّد القرآن الكريم ذكر لُقمان في سُورة تحمل اسمه والتي تضم أربعةً وثلاثين آية وتُشير أغلب الرّوايات إلى أنّ اسمه لُقمان بن ياعور وقد عاش في عصر النبي داوود عليه السّلام فكان يتّخذه قدوةً واستفاد من علمه وحكمته.

تذهب بعض الآراء إلى أنّ لُقمان كان يعمل في التجارة بينما يُرجّح آخرون أنّه كان ماهرًا في الخياطة لكن المُتّفق عليه أنّه كان شخصًا كثير التأمل والتَدبّر دائم الرجوع إلى الله مُتوكّلًا عليه وحسن الظن به فكان ذلك سببًا في أن يَمُنّ الله عليه بالحكمة.

السيرة الذاتية للقمان الحكيم

لُقْمَانُ بْنُ يَاعُورَ يُعْرَفُ بِحِكْمَتِهِ وَسَعَةِ عِلْمِهِ وَزُهْدِهِ فِي الدُّنْيَا وَتَوَجُّهِهِ نَحْوَ الآخِرَةِ يُرْوَى أَنَّهُ كَانَ ابْنَ أُخْتِ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتُوَجَدُ رِوَايَاتٌ أُخْرَى تُشِيرُ إلَى أَنَّهُ كَانَ ابْنَ خَالَتِهِ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ الكَرِيمِ مَا يُحَدِّدُ الزَّمَنَ الذِّي عَاشَ فِيهِ وَلَكِنَّهُ كَانَ مِحْوَرًا لِلْحِكْمَةِ وَالرُّؤْيَةِ الثَّاقِبَةِ وَيُقَالُ إِنَّهُ بَقِيَ مَوْسُومًا بِهَذِهِ المَنْزِلَةِ حَتَّى زَمَنِ النَّبِيِّ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

مكانة لقمان الحكيم ودوره عبر التاريخ

قال رسول الله ﷺ: “إن لقمان كان عبداً كثير التفكر، حسن الظن، كثير الصمت، أحب الله فأحبه الله، فمن عليه بالحكمة”.
  • كان لقمان موجودًا قبل زمان النبي داوود عليه السلام وعندما عرض عليه أن يكون خليفة في الأرض ويحكم بين الناس بالعدل وبأمر الله.
  • أجاب قائلاً: إن كان الله قد قدر لي ذلك فسأقبله يقينًا بأنه سيمنحني العون والتوفيق ويعلمني كيف أؤدي هذا الدور، أما إن كان لي الخيار فسأختار البعد عن هذا الأمر لأني لا أسعى وراء الاختبار والابتلاء فسألته الملائكة عن سبب اختياره هذا.
  • فأجابهم موضحًا أن الحاكم دائمًا يعيش في قلق وخوف من أن يقع في الظلم فيؤدي به ذلك إلى الهلاك لكن إن كان حريصًا على تصحيح أخطائه ومراجعة نفسه فسيجد طريق النجاة لأن الزلل الحقيقي هو الابتعاد عن مسار الجنة.
  • ورأى أن الإنسان الذي يعيش في هذه الدنيا في ذلٍّ أهون عليه من أن ينعم بعزٍّ زائف يُحرَم بعده من حقه في الآخرة لأن من يدرك حقيقة الدنيا سيفهم أنها دار فناء وأن البقاء الحقيقي هو في الآخرة.
  • انبهر الملائكة بحكمته وتفكيره العميق وعندما استغرق في النوم أكرمه الله بالحكمة وعندما استيقظ شعر بهذا التغير الكبير في إدراكه وأصبح يظهر ذلك في كل أقواله وأفعاله.

الوصايا العشر التي أوصى بها لقمان الحكيم

ذكر الله سبحانه وتعالى لقمان في القرآن الكريم وأثنى عليه لحكمته ومواعظه التي نقلها لابنه والتي تُعد دروسًا قيّمة لكل إنسان:

  • حذّر ابنه من الشرك بالله وأكد له أن الشرك أعظم ظلم يمكن أن يرتكبه الإنسان ووصاه بالتمسك بالتوحيد وعدم الحَياد عنه مستشهدًا بقوله تعالى: (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم).
  • أوصاه ببر الوالدين وأهمية معاملتهما بالحُسنى حتى وإن كانا على غير الطريق الصحيح فإحسان المعاملة لهما أمر واجب مع الحرص على رضاهم ضمن حدود طاعة الله.
  • نبّهه لضرورة تجنب ظلم الناس مهما كان بسيطًا، فالله سبحانه وتعالى عليم بكل الأفعال صغيرها وكبيرها ويحاسب عليها فالمؤمن ينبغي أن يتحرى العدل في كل تصرفاته.
  • ذكّره بعلم الله الشامل الذي لا يخفى عليه شيء وأخبره أن الذنوب مهما صغرت ولو كانت بوزن ذرة واستقرت داخل صخرة أو في أي مكان في السماوات أو الأرض فإن الله سيأتي بها ويجازي عليها كما قال تعالى: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ).
  • أكّد على أهمية إقامة الصلاة وحثّه على أدائها بأركانها كاملة من ركوعٍ وسجود وخشوع والحرص على عدم إضاعتها، وذلك في قوله: (يا بني أقم الصلاة).
  • حثّه على فعل الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبذل الجهد في توجيه الناس للطريق الصحيح بكل وسيلة متاحة سواء بالقول أو الفعل أو حتى بالقلب كما جاء في قوله تعالى: (وأمر بالمعروف وانه عن المنكر).
  • شجّعه على الصبر على المصاعب التي قد يواجهها خلال دعوته للخير لأن من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر قد يُقابل بالاستهزاء أو الاعتراض ولهذا أوصاه قائلاً: (واصبر على ما أصابك) مؤكدًا أن الصبر طريق الخير وعاقبته حسنة.
  • نوّه إلى أن التحلي بهذه الصفات يحتاج إلى عزيمةٍ قوية وثباتٍ فقال له: (إن ذلك من عزم الأمور).
  • حذّره من التكبر على الناس ونهاه عن التعامل معهم بغطرسةٍ أو تعالٍ فقال له: (ولا تصعر خدك للناس) أي لا تعرض عنهم بتكبر ولا تحتقرهم في تعاملاتك.
  • أوصاه بعدم المشي في الأرض مختالًا متفاخرًا بنفسه مؤكدًا أن الله سبحانه وتعالى لا يحب المتكبرين فقال له: (ولا تَمشِ في الأَرضِ مَرَحاً إنّ اللّهَ لا يُحِبُ كُلَّ مُختَالٍ فَخُورٍ).

تعاليم لقمان الحكيم وأبرز وصاياه

  • أوصى لقمان الحَكيم ابنه قائلاً (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) أي لا ترفع صوتك عند الحديث، فإِنَّ أَقبح الأصوات هو صوت الحَمِير.
  • جَاء في الصحيحين أن المُسلم إذا سمع صَوت الحِمار ليلاً فَلْيَسْتَعِذْ بالله من الشيطان الرجيم، لأن الحِمار إذا أَصدر هذا الصوت فإن ذلك يعني أنه رأى شيطاناً.
  • الإنْسان مَطْلوب مِنه خفض صوته دائمًا، ولكن يُمكن له رفعه فِي مَواضع مثل الأذان أو النِّداء.

تعرف على ابن لقمان الحكيم واسمه

  • ذكر السهيلي أن اسم ابنه ثاران، وهو ما رواه الطبري والقتبي. في حين أن الكلبي أشار إلى أن اسمه كان مشكم. وهناك رواية أخرى نقلها النقاش تفيد بأن اسمه أنعم.
  • أورد القشيري أن ابن لقمان وامرأته لم يكونا على الإيمان غير أن لقمان لم يتوقف عن نصحهم وإرشادهم حتى أكرمهم الله بالهداية واعتناق الدين.
  • ويُستدل على ذلك بقول الله تعالى: (لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم).

نصائح لقمان الحكيم الموجهة لابنه

قدّم لقمان الحكيم لابنه مجموعة من الوصايا التي تحمل معاني عظيمة يستفيد منها الإنسان في حياته ومن أبرزها:

  • يا بُني! ليكن رجاؤك في الله دائمًا لكن لا تجعله سببًا في الغرور والاتكال وخَف الله حق الخوف ولكن لا تدع ذلك يقودك إلى اليأس فإن رحمته سبحانه وسعت كل شيء.
  • يا بُني! لا تغفل عن قول: “رب اغفر لي” فهناك لحظات يُستجاب فيها الدعاء وقد تكون في إحدى هذه اللحظات فيُغفر لك.
  • يا بُني! قوة العمل والإنتاج مرتبطة بصدق اليقين فكلما ضعف يقين الإنسان خارت عزيمته وتراجع سعيه.
  • يا بُني! إن الشيطان يسلك طرقًا عديدة ليُضعف إيمانك فإذا وسوس لك بالشك فاستمسك باليقين وإن ألقى في قلبك الملل فتذكّر القبر ويوم الحساب وإن أغراك بالدنيا فاذكر فناءها وزوالها.
  • يا بُني! اجعل تقوى الله رأس مالك فإنها تجارة رابحة بلا خسارة وربحها مضمون دون حاجة إلى رأس مال.
  • يا بُني! احذر الكذب فإنه يبدو جميلاً في أوله كطعم لحم الطير ولكن عاقبته مُهلِكة لصاحبه.
  • يا بُني! لا تُكثر من الطعام فوق حاجتك فإن تقديم الفائض لكلب جائع خير من أن تأكله وأنت غير محتاج إليه.
  • يا بُني! لا تكن سهلًا فيُستغل طيبُ قلبك ولا تكن قاسيًا فتنفر منك الناس وكن معتدلًا في التعامل مع الآخرين.
  • يا بُني! لا تؤخّر توبتك فالموت قد يأتي بغتة دون إنذار.
  • يا بُني! كن صادقًا مع نفسك ولا تُظهر أمام الناس خشيتك لله بغرض كسب احترامهم بينما قلبك غافل عنه.

الإرشادات التربوية في وصايا لقمان الحكيم

  • يَا بُنَيَّ إِنَّ الصَّمْتَ مَا خَذَلَ أَحَدًا قَطُّ وَإِذَا كَانَ الكَلَامُ مِن فِضَّةٍ فَإِنَّ السُّكُوتَ مِن ذَهَبٍ.
  • يَا بُنَيَّ اجْعَلْ نَفْسَكَ بَعِيدًا عَنِ الشَّرِّ حَتَّى لَا يَقْتَرِبَ مِنْكَ، فَإِنَّ الشَّرَّ يَجْذِبُ مَنْ هُوَ عَلَى هَيْئَتِهِ.
  • يَا بُنَيَّ اِجْعَلْ طُمُوحَكَ بَلُوغَ الجَّنَّةِ وَكُنْ مُسْتَعِدًّا لِلتَّضْحِيَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِذَا دَعَتِ الحَاجَةُ.
  • يَا بُنَيَّ اِحْرِصْ عَلَى مُخَالَطَةِ الصَّالِحِينَ وَإِذَا وَجَدْتَ مَجْلِسًا يُذْكَرُ فِيهِ اللَّهُ فَاجْلِسْ مَعَهُمْ فَإِنْ كُنْتَ عَالِمًا زَادُوكَ عِلْمًا وَإِنْ كُنْتَ جَاهِلًا عَلَّمُوكَ، وَإِذَا حَلَّتْ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَصَابَتْكَ مَعَهُمْ.
  • يَا بُنَيَّ الْحِكْمَةُ جَعَلَتِ الفُقَرَاءَ فِي مَنْزِلَةِ المُلُوكِ.
  • يَا بُنَيَّ جَالِسِ العُلَمَاءَ وَتَقَرَّبْ مِنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ يُنِيرُ بِالْحِكْمَةِ القُلُوبَ كَمَا يُحْيِي الأَرْضَ بِالمَطَرِ.
  • يَا بُنَيَّ كُنْ مُتَدَبِّرًا فِي كَلَامِكَ وَلَا تَجْعَلْ لِسَانَكَ يَسْبِقُ عَقْلَكَ فَإِنَّ الصَّمْتَ أَسْلَمُ وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَلَّمَ الإِنْسَانُ إِلَّا فِيمَا يَنْفَعُهُ.

وَبِذَلِكَ يَتَّضِحُ أَنَّ لُقْمَانَ الحَكِيمَ كَانَ لَهُ أَثَرٌ بَالِغٌ فِي النَّاسِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا فَكُلُّ مَنْ يَقْرَأُ وَصَايَاهُ يَجِدُ فِيهَا إِرْشَادًا يُغَيِّرُ نَظْرَتَهُ لِلْحَيَاةِ وَيُقَوِّمُ سُلُوكَهُ وَهَذَا مَا جَعَلَ حِكْمَتَهُ تَمْتَازُ بِقُوَّةِ المَعْنَى حَتَّى ذَكَرَ اللَّهُ وَصَايَاهُ لِابْنِهِ فِي القُرْآنِ بِأُسْلُوبٍ يَحْمِلُ الْعِظَةَ وَالتَّوْجِيهَ.

عَزِيزِي القَارِئُ نَأْمُلُ أَنَّنَا قَدَّمْنَا لَكَ كُلَّ مَا يَفِيدُكَ حَوْلَ حِكْمَةِ لُقْمَانَ الحَكِيمِ وَإِذَا كَانَ لَدَيْكَ أَيُّ سُؤَالٍ فَلَا تَتَرَدَّدْ فِي مُرَاسَلَتِنَا وَسَوْفَ نَقُومُ بِالرَّدِّ عَلَيْكَ فِي أَقْرَبِ وَقْتٍ.

إيمان محمد محمود، خريجة تكنولوجيا التعليم والمعلومات ، أعمل مدرب حاسبات ونظم، كاتبة مقالات في العديد من المواقع ، متخصصة في الأدعية والاخبار السعودية علي موقع كبسولة ، للتواصل معي capsula.sa/contact_us .

0 0 التصويت
Article Rating
الاشتراك في تنبيهات التعليقات
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويتا
التعليقات المضمنة
عرض جميع التعليقات
0
اكتب تعليقك او استفسارك وسنرد عليك في أقرب وقت بمشيئة الله تعالىx
()
x