يُعَدُّ التبريرُ الاستقرائيُّ والتخمينُ من الأساليبِ الأساسيةِ في عملياتِ الاستدلالِ والاستنتاجِ وقد كانا مرتبطينِ بعلمِ المنطقِ منذُ العصورِ القديمةِ حيثُ أطلقَ عليهما الفيلسوفُ أرسطو مُصطلحَ Epagoge والذي يعني تحليلَ الأجزاءِ المُتعددةِ ودراسةَ الصفاتِ المُشتركةِ بينها للوصولِ إلى استنتاجٍ عامٍ، أي التعميمُ، مما جعلهُما ركيزةً أساسيةً في تطويرِ العديدِ من النظرياتِ الرياضيةِ مثلَ الهندسةِ والجبرِ والإحصاءِ.
مفهوم التبرير الاستقرائي وأهميته
التبرير الاستقرائي هو الأسلوب الذي يتم من خلاله استنتاج قاعدة عامة انطلاقًا من ملاحظة أنماط متكررة وربطها معًا، حيث يعتمد على تحليل الأمثلة المشابهة واستخلاص نتائج منطقية بناءً على تسلسلها وهو النهج الذي أصبح جزءًا أساسياً من المنهج العلمي المبني على الملاحظة والاستنتاج بينما التبرير الاستنتاجي في الرياضيات يُعرف بالبرهان المنطقي الذي تطور على مدار العصور ومر بعدة مراحل أساسية منها.
- أفلاطون: كان من أوائل من وضع أسس الإثبات بالاستقراء في علم الرياضيات عام 370 قبل الميلاد.
- إقليدس: قدّم برهانًا يُثبت أن الأعداد الأولية لا حصر لها.
- القرن الحادي عشر الميلادي: قام العالم العربي البغدادي بابتكار مفهوم المتوالية الحسابية الذي استُخدم لاحقًا في تطوير نظريات رياضية مثل الحدّين ومثلث باسكال إلى جانب تطبيقه في دراسة تكامل المكعبات.
- الحسن بن الهيثم: اعتمد على الأعداد الصحيحة لإثبات صحة نظرية القوى الرابعة.
التصنيفات المختلفة للتبرير الاستقرائي
التبرير الاستقرائي يُعد من العمليات المنهجية التي تُستخدم في جمع المعلومات وتحليل الظواهر الطبيعية أو الاجتماعية للكشف عن الروابط والعلاقات بينها ويعتمد على عدة تصنيفات رئيسية:
- الاستقراء التام: يتميز بأنه قائم على الملاحظة الدقيقة والمباشرة لموضوع البحث ويُعرف بكونه يقينيًا نظرًا لاعتماده على رصد جميع الحالات الخاصة بالظاهرة المدروسة الأمر الذي يجعله أقل استخدامًا في التطبيقات العملية.
- يعتمد على الملاحظة المستهدفة لمعطيات معينة بهدف بناء تحليل قائم على الدقة الشديدة وإيجاد تفسير شامل للبيانات.
- سلبياته: يتطلب مجهودًا كبيرًا ويستهلك الوقت قبل الوصول إلى نتائج نهائية.
- الاستقراء الناقص: يُطلق عليه كذلك الاستقراء غير اليقيني نظرًا لاعتماده على دراسة عدد محدود من الظواهر للوصول إلى تعميمات عامة على بقية الحالات المشابهة.
- يلجأ الباحث في هذا النوع إلى الملاحظة السطحية التي لا تتطلب تحليلاً معمقًا وفي بعض الأحيان يتم استخلاص نتائجه بصورة تلقائية مثل اكتشاف الإنسان للنار أو المغناطيس.
- السلبيات: في كثير من الأحيان تكون البيانات غير متكاملة مما يجعل الاعتماد عليه في بعض المجالات غير دقيق لكنه يحظى باستخدام واسع في تخصصات مثل الاقتصاد والإحصاء والدراسات الاجتماعية.
دلالة التخمين في المنطق والرياضيات
التخمين يُعد الفكرة الأولية التي تتبادر إلى الذهن قبل إجراء أي استقراء فهو مزيج بين التحليل المنطقي والاستنتاج الذاتي ويكتسب الإنسان مهارة التخمين منذ مراحل عمرية مبكرة خاصة عندما يكون ذلك الخيار الوحيد المتاح أمامه فعلى سبيل المثال عند انقطاع الأنوار بشكل مفاجئ قد يكون السبب خللًا في النظام الكهربائي أو قيام أحدهم بإطفائه يدويًا التخمين هو عملية منطقية بسيطة يقوم بها الأفراد يوميًا دون إدراك مباشر ومع ذلك هناك من يرى أنه غير موثوق وعشوائي ولا يمكن الاعتماد عليه كأساس لصياغة النظريات العلمية.
نماذج من التبرير الاستنتاجي في علم الرياضيات
يُعد التبرير الاستقرائي في علم الرياضيات من أكثر الطرق المستخدمة في الاستنتاج ومن الأمثلة التي توضح فكرته بدقة هو تساقط أحجار الدومينو:
- أحجار الدومينو: يتم ترتيبها بشكل متتالٍ بحيث تكون المسافات بينها متساوية تمامًا.
- الفرضية: عند إسقاط أحد الأحجار فإنه سيؤدي إلى سقوط الحجر الذي يليه مباشرةً.
- الاستنتاج والتوقع: بمجرد أن يبدأ أول حجر بالسقوط فمن المؤكد أن جميع الأحجار الأخرى ستنقلب تباعًا بنفس النمط كما هو موضح بالصورة.
التبرير والبرهان الاستقرائي في المنطق الرياضي
يرتكز البرهان الاستقرائي في المنطق الرياضي على تحليل الأنماط المتكررة التي نستطيع ملاحظتها في الطبيعة أو المعادلات الرياضية واستنتاج قاعدة عامة تنطبق على جميع الحالات المشابهة ومن الأمثلة التي توضح هذا المفهوم:
- المثال الأول: عند دراسة المعادن مثل الحديد والنحاس والفضة نجد أنها تشترك جميعًا في خاصية التمدد عند تعرضها للحرارة والانكماش عند البرودة.
- بما أن هذه العناصر المختلفة تمتلك هذه الصفة فقد نقوم بتوسيع الاستنتاج ليشمل معادن أخرى مثل الذهب ونفترض أنه يخضع لنفس القاعدة.
- المثال الثاني: لنفترض أن سعر منتج معين يبلغ 10 جنيهات في اليوم الأول ويرتفع إلى 20 جنيهًا في اليوم الثاني ثم يصل إلى 30 جنيهًا في اليوم الثالث والمطلوب تحديد سعر المنتج في اليوم الرابع.
- بما أن السعر يزداد يوميًا بمقدار ثابت وهو 10 جنيهات فمن المتوقع أن يكون سعر المنتج في اليوم الرابع 40 جنيهًا.
دراسة حول التبرير الاستقرائي في علم الجبر
يُعد عملية استنتاجية تعتمد على ملاحظة أنماط محددة في بعض الأمثلة للوصول إلى تعميم رياضي حيث يتم توظيف العمليات الحسابية للتوصل إلى نتيجة استنادًا إلى فرضيات مطروحة في المسألة ومن التطبيقات العملية على ذلك:
- جمع بعض الأعداد الفردية: عند إجراء العمليات الحسابية التالية 1+7=8 5+9=14 7+3=10.
- استنتاج القاعدة العامة: عند جمع عددين فرديين معًا يكون الناتج دائمًا عددًا زوجيًا كما يظهر في الأمثلة السابقة والتي أعطت نتائج مثل 8 و14 و10.
ملخص حول الدور الأساسي للتبرير الاستقرائي
مفهوم التبرير الاستقرائي وأثره في الحياة اليومية
التبرير الاستقرائي يُعَدّ من الأساليب التي نمارسها بشكل يومي دون إدراك مباشر ويُعرَف أيضًا باسم “التوقع” حيث يعتمد في الأساس على جانبين محوريين:
- الملاحظة: تستند هذه القاعدة إلى رصد تكرار معين أو نمط واضح على غرار ما حدث عندما سقطت تفاحة قرب إسحاق نيوتن حيث لاحظ أنها انحدرت نحو الأرض بدلًا من أن ترتفع للأعلى.
- نيوتن شعر بالفضول وبدأ بتحليل الأمر وكان تصوره الأولي أن الجاذبية تقتصر على سطح الأرض ولا تمتد إلى الارتفاعات العالية.
- لاحقًا أدت هذه الفكرة إلى ظهور نظريات أحدثت طفرة في مجالات متعددة مثل الملاحة الجوية والتقنيات التي تسمح بالتغلب على قوى الجاذبية.
- التنبؤ: يُستَخدَم في تحليل الأنماط السلوكية بناءً على الملاحظات المتكررة ويُعتبر عنصرًا رئيسيًا في بيئات العمل إذ تتم متابعة أداء الموظفين بهدف تطوير مهاراتهم بطريقة علمية ومدروسة.
- الاستقراء العلمي: يتميّز عن التخمين العفوي بكونه يستند إلى إثباتات ونظريات قائمة على أسس علمية كما هو الحال في الجدول الدوري في علم الكيمياء والذي يعتمد على مجموعة مبادئ محددة:
- الابتعاد عن الأساليب العشوائية والارتكاز على الموضوعية في التحليل.
- التقيّد بالقوانين العلمية المؤكدة.
- الاعتماد على الملاحظة الواعية والتحليل المتأني قبل الخروج بأي استنتاجات نهائية.
- التخمين: يُرتبط بالحدس وسرعة البديهة لكنه لا يُعَدّ منهجًا علميًا نظرًا لاعتماده على احتمالات غير مؤكدة على سبيل المثال:
- في فترات سابقة شاع الاعتقاد بأن جميع طيور البجع بيضاء اللون فقط لأن البشر لم يصادفوا غيرها.
- لكن هذا التصور تغير تمامًا عند اكتشاف أنواع من البجع تحمل لونًا أسود مما دلّ على أن الافتراض الأول لم يكن دقيقًا.
