الاستراتيجيّة تُعدّ من المفاهيم الأساسيّة في مجال الإدارة حيث يتم توظيفها على نطاق واسع لتنظيم الأعمال واتخاذ قرارات مدروسة تهدف إلى تحقيق الأهداف المرجوة هذا المصطلح ليس وليد العصر بل يمتلك جذورًا تاريخيّة ممتدة حيث اعتمدت عليه العديد من الحضارات القديمة في التخطيط وإدارة الموارد بطرق فعّالة واليوم أصبح عنصرًا جوهريًا يعتمد عليه القادة والمديرون لضمان تحقيق النجاح والاستفادة المثلى من الفرص المتاحة.
مفهوم الاستراتيجية في الفكر الحديث
- يُعَدُّ مفهوم الاستراتيجية واحدًا من المصطلحات ذات الامتداد التاريخي الواسع والتي شهدت استخدامات متنوعة عبر العصور.
- يُستخدم بشكل ملحوظ في مجال الإدارة سواء في قطاعات الأعمال الخاصة أو في المؤسسات الحكومية لتحقيق الأهداف بطرق فعّالة.
- كما أنه كان عنصراً أساسياً في الماضي في إدارة الحروب وقيادة الجيوش ولا يزال يحافظ على أهميته حتى يومنا هذا.
- يمتد تأثير هذا المصطلح إلى الميادين السياسية وسائر المجالات الأخرى مما يدل على مدى عمقه وأهميته في مختلف العلوم التطبيقية والنظرية.
- في الفقرات القادمة سيتم تناول مفهوم الاستراتيجية بشكل أكثر تفصيلاً مع التركيز على أصول المصطلح وأبعاده المتعددة في الفكر الحديث.
شرح مصطلح الاستراتيجية ودلالاته
- مصطلح “الاستراتيجية” يعود إلى العصور القديمة حيث كان استخدامه مقتصرًا على المجال العسكري.
- كانت الجيوش تعتمد عليه للإشارة إلى التخطيط العسكري وتعني فن وضع الخطط للعمليات الحربية التي يتم تنفيذها خلال المعارك.
- اعتمد قادة الجيوش على هذا المفهوم لتحديد أهداف يجب تحقيقها ضمن فترة زمنية محدودة وبأقل قدر من الجهد مع مراعاة عامل السرعة.
- تلزم هذه الأهداف بأن تكون قابلة للتنفيذ وفقًا لقدرات الجيش والإمكانيات المتوفرة أثناء التنفيذ.
- ظهر مصطلح “الاستراتيجية” في اللغة الإغريقية مشتقًا من كلمة “Strato”.
- كانت هذه الكلمة آنذاك تُستخدم بمعنى “التجمعات أو الحشود العسكرية” لدى الإغريق ومنها ابتكر اليونانيون مصطلح “Strategos” الذي أصبح جزءًا من مصطلحاتهم العسكرية.
- في العصر الحديث، يُعرف مفهوم الاستراتيجية بأنه مجموعة من الخطط والمناهج والأساليب التي يتم وضعها لتحقيق أهداف معينة.
- تتنوع هذه الأهداف بين أهداف طويلة المدى وأخرى يجب إنجازها في الوقت القريب.
- تعتمد هذه الخطط على تحليل دقيق وإجراءات مدروسة لضمان تحقيق أقصى فعالية في التنفيذ وفق منهجية دقيقة.
التعريف الدقيق لمفهوم الاستراتيجية
- الاستراتيجية تُعَدّ الركيزة الأساسية في عملية القيادة الفعالة التي لا تحتمل الأخطاء وهي عبارة عن تخطيط متقن يتم وفق نهج احترافي لضمان تحقيق الأهداف المطلوبة.
- بمعنى آخر يمكن اعتبار الاستراتيجية بمثابة مجموعة متكاملة من الخطط والسياسات والأساليب التي يتم اعتمادها بهدف الوصول إلى النتائج المرجوة بشكل مدروس.
- هذه الأهداف قد تكون قصيرة الأمد أو طويلة الأمد ويتم تحديدها مسبقًا وفق جدول زمني واضح لضمان تنفيذها بأقل جهد ممكن.
- ولتحقيق هذه الأهداف لا بد من إجراء تحليل معمّق للعوامل المؤثرة بما يشمل نقاط القوة والضعف التي قد تؤثر على تحقيقها.
- إضافةً إلى ذلك يجب دراسة كافة العوامل الداخلية والخارجية المرتبطة بالجهة المعنية والتي تسعى للوصول إلى تلك الأهداف.
- العوامل الداخلية تشمل الموارد المتوفرة سواء كانت مادية أو بشرية التي تمتلكها المؤسسة ويمكنها استغلالها في تنفيذ استراتيجياتها.
- أما العوامل الخارجية فتتضمن حالة السوق والمتغيرات المحيطة إلى جانب القوانين والأنظمة التي تحكم بيئة العمل في الدولة وما قد ينعكس منها على عمليات التنفيذ.
تطور تعريف الاستراتيجية عبر التاريخ
- كانت الحروب على مر التاريخ عنصراً جوهرياً في حياة البشر، لا سيما في العصور القديمة، مما دفع الفلاسفة والقادة إلى تحليلها ودراستها من زوايا مختلفة.
- ساهمت هذه الدراسات في إجراء مقارنات دقيقة بين أعظم المعارك التاريخية بهدف التوصل إلى استنتاجات تساعد في فهم أنماط التخطيط واستراتيجيات المواجهة.
- انعكس هذا الاهتمام في مؤلفات كتبها نخبة من القادة العسكريين البارزين من مختلف الحضارات، سواء في الصين أو اليونان أو روما أو العالم الإسلامي وحتى أوروبا.
- أسفر هذا الجهد عن ظهور مجال جديد أُطلق عليه الفن الحربي أو العسكري، والذي ركز على دراسة كيفية التخطيط للحروب وإدارتها بفعالية.
- ومع نضوج هذا المجال، برز مفهوم “الاستراتيجية”، ليصبح أساس علم التخطيط العسكري، وتم تقسيمه لاحقاً إلى عدة فروع جوهرية.
- كان من أبرز هذه الفروع الاستراتيجية العُليا، التي تُعنى بالقضايا الكبرى، تليها الاستراتيجية العسكرية، التي تركز على إدارة العمليات القتالية، ثم التخطيط الذي يربط بين هذين المستويين لضمان تحقيق الأهداف المطلوبة.
- مع تعاقب العصور، برزت تفسيرات متباينة للاستراتيجية بين المدارس الفكرية المختلفة، إذ كانت لكل مدرسة رؤيتها الخاصة حول مفهوم هذا العلم.
- على سبيل المثال، كان “كلاوتز” يرى أن الاستراتيجية تمثل “فن توظيف المعارك كأداة لتحقيق الغايات الحربية”.
- بينما عرّفها القائد “مولتكه” بأنها “القدرة على استخدام الوسائل المتاحة لتنفيذ الإجراءات العملية الملائمة للوصول إلى الأهداف المحددة”.
- أما الجنرال “بالت” فقد وصفها بأنها “فن توجيه موارد الدولة وتعبئتها لضمان مصالحها وحمايتها من التهديدات الخارجية“.
- كل هذه الاختلافات في وجهات النظر تعكس كيف أن مفهوم الاستراتيجية كان يخضع لمراجعات متكررة، حيث كان كل قائد يعيد تعريفها وفقاً لتجربته الميدانية ووفقاً للواقع الذي يواجهه.
التحول الاستراتيجي من المجال العسكري إلى الاقتصاد وإدارة الأعمال
- ظل مصطلح الاستراتيجية مرتبطًا بعالم العسكرية لفترات طويلة، لكن مع تطور الاقتصاد وانتشار الشركات الكبرى بدأ المفهوم يشق طريقه إلى عالم المال والأعمال.
- هذا التحول نحو المجال الاقتصادي بدأ بالظهور خلال القرن التاسع عشر، خصوصًا في نصفه الثاني، حيث أصبحت الشركات بحاجة إلى أدوات تخطيط أكثر تقدمًا.
- قبل هذه المرحلة، كانت معظم الشركات تعمل بمشاريع صغيرة ذات رؤوس أموال محدودة وإنتاج متواضع بسبب عدم وجود استراتيجيات إدارية واضحة.
- ومع بدء الثورة الاقتصادية في القرن التاسع عشر وظهور المؤسسات الكبرى، أصبح تبني مفهوم الاستراتيجية أمرًا ضروريًا لضمان التوسع والاستمرارية.
- يُعد ألفريد سلون أحد أوائل الشخصيات التي قامت بتطبيق مفهوم الاستراتيجية بشكل عملي ضمن قطاع الأعمال من خلال عمله في شركة “جنرال موتورز”.
- أما الشخص الذي تناول الاستراتيجية بأسلوب علمي مدروس وسلط الضوء على دورها الفعّال في نجاح الشركات الحديثة فهو ألفريد تشاندلر.
الأسس والمعايير المعتمدة في بناء الاستراتيجيات
هناك مجموعة من الأسس والمعايير التي يتم الاعتماد عليها في بناء الاستراتيجيات لضمان فعاليتها وتحقيق الأهداف المرجوة.
- على الرغم من تعدد التعريفات لمفهوم الاستراتيجية إلا أن الغالبية يتفقون على أنها “منهج تفكير” يتم الاستناد إليه عند التخطيط واتخاذ القرارات الحاسمة.
- لذلك هناك معايير جوهرية يجب توفرها حتى يمكن تصنيف أي نهج بأنه استراتيجي بالفعل.
- الشرط الأول هو وجود تحديات أو منافسة حيث أن الأساس الذي انطلقت منه الاستراتيجيات عبر التاريخ كان لمواجهة التحديات تمامًا كما نشأت العلوم العسكرية استجابةً للتهديدات الأمنية.
- الأمر نفسه يُطبّق في عالم الأعمال إذ تخوض الشركات منافسة دائمة في الأسواق مما يستلزم تبني استراتيجيات مناسبة للحفاظ على التنافسية وتحقيق التميز.
- الشرط الثاني هو ارتباط الأهداف بالمستوى الأعلى للتخطيط فالاستراتيجيات ليست مجرد خطط قصيرة المدى بل ينبغي أن تمتد لتحقيق غايات وأهداف طويلة الأجل.
- المقصود هنا هو الأهداف الاستراتيجية التي يتم وضعها لتحقيق رؤية مستقبلية معينة ولا تُنفذ خلال يوم أو فترة قصيرة بل تحتاج إلى فترات زمنية طويلة ويتم تحديدها من قبل المسؤولين رفيعي المستوى.
- الشرط الثالث يتعلق بالقيادة والإدارة العليا حيث أن وضع الأهداف وتحديد آليات التنفيذ الاستراتيجي مسؤولية تقع على عاتق كبار القادة والإداريين ضمن المنظمة.
- الشرط الرابع والأخير هو توزيع الأدوار والمهام فبعد تحديد الأهداف يجب ترجمتها إلى خطط ومهام عملية ليتم تنفيذها على أرض الواقع.
- وتأتي هنا أهمية الخطط الاستراتيجية في تحديد المسؤوليات وضمان التكامل والتنسيق بين الفرق المختلفة لضمان تحقيق الأهداف بطريقة فعالة.
الأهداف الاستراتيجية ودورها في تحقيق النجاح
- تُركّز هذه الاستراتيجية على وضع تصور شامل ودقيق لمجمل المشروع بكافة تفاصيله مع الحرص على توفير فهم معمّق لجميع الجوانب المرتبطة به من حيث التنفيذ والتخطيط والتقييم مما يسهل توجيه الأعمال بالشكل المناسب.
- تُعنى بالتحقق من توفر كافة الأدوات سواء كانت علمية أو تنفيذية أو حتى مادية التي تسهم في إنجاز المهام المطلوبة وذلك ليساهم ذلك في متابعة الأنشطة وضبط العمليات ضمن الإطار الصحيح.
- يُعتمد ضمن إطار هذه الاستراتيجية على دراسة مواطن القصور وتحليل مكامن الضعف في مختلف محاور العمل بالإضافة إلى رصد نقاط القوة وتعزيزها بما يُسهم في رفع كفاءة الأداء المؤسسي وضمان استقراره.
- ويُستفاد من أبرز الجوانب الفاعلة بالمشروع من خلال توظيفها بطريقة مدروسة تسمح بتجاوز التحديات وسد الثغرات عبر حلول واقعية تعالج النقص أو القصور ضمن القطاعات المستهدفة.
- كما تُركّز الاستراتيجية كذلك على إعادة ترتيب وتسلسل الأهداف بما ينسجم مع القدرات التنظيمية والظروف المحيطة بنطاق العمل الداخلي والخارجي مما يفتح المجال لتطبيقها بشكل فعّال ويساهم في تعزيز فرص نجاحها.
المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الاستراتيجية
- يَجب أن تُبنى الاستراتيجية على تحديد الأهداف بدقة ووضوح بحيث تكون الأهداف محددة دون أي التباس لضمان تنفيذ فعال ونتائج دقيقة.
- يَجب أن تتمتع بالمرونة الكافية لتتمكن من التعامل مع التغيرات والتحديات غير المتوقعة دون أن تتأثر بالظروف المفاجئة التي قد تُعيق سير العمل.
- من الضروري أن تكون واضحة وسهلة الفهم لجميع العاملين عليها دون أي تعقيد أو تضارب لضمان تطبيقها بالشكل المطلوب وتوزيع المهام بآلية تُحقق الأهداف المرجوة.
التصنيفات المختلفة للاستراتيجيات
- هناك تصنيفات متعددة للاستراتيجيات لكن الأكثر أهمية وشيوعًا يتمثل في نوعين أساسيين الأول هو الاستراتيجية التوجيهية.
- هذا النوع يهتم بتوجيه وإرشاد الأفراد العاملين على تنفيذ خطة محددة.
- ويهدف إلى تعزيز الفهم المشترك بين أعضاء الفريق مما يسهم في دعم التعاون والتنسيق فيما بينهم.
- أما النوع الثاني فهو الاستراتيجية الإدارية التي تعتمد بشكل أساسي على سلطة الإدارة العليا داخل المؤسسة.
- وتتجلى أهميتها في وضع كل التوجيهات الضرورية التي يحتاجها الفريق لتنفيذ الأهداف بالإضافة إلى تطبيق أساليب الرقابة والمحاسبة لضمان الالتزام بالخطة وفقًا للمعايير المحددة.
بهذا نكون قد استعرضنا التصنيفات المختلفة للاستراتيجيات ودورها في تحقيق الأهداف وإذا كان لديك أي استفسار يمكنك كتابته في التعليقات.