العُثمانيّون دخلوا مِصر في فترة كانت تَحظى فيها بِمكانة بارزة على الصعيد السّياسيّ والاقتصاديّ والثّقافيّ والاجتماعيّ حيث شكّلت مِصر آنذاك نُقطة تماسّ استراتيجية تربط بين العالم القديم والجديد وهذا ما جعلها مَطمعًا للعديد من الدّول التي سعت إلى السّيطرة عليها فقد خضعت عبر التّاريخ لعدّة غزوات واحتلالات بدءًا من الغَزو الهِكسوسيّ ثم الاحتلال الرومانيّ وصولًا إلى الفتح العثمانيّ حيث قام السُّلطان العُثمانيّ بضمّها إلى نِطاق حُكم الدّولة العثمانيّة كمُقاطعة تابعة لها في إطَار التَّوسُّعات العثمانيّة في البِلاد الإسلاميّة وهو ما أدّى إلى تواجد العُثمانيّين في مصر.
دخول الدولة العثمانية إلى مصر
شهدت العلاقة بين العثمانيين والمماليك صراعًا طويل الأمد حيث كان السلطان العثماني يسعى لبسط نفوذه على كل من مصر والشام نظرًا لأهميتهما الاستراتيجية وموقعهما الجغرافي المميز.
- تتمتع مصر بموقع استراتيجي لأنها تطل على البحر الأحمر والبحر المتوسط، مما يجعلها نقطة محورية في حركة التجارة العالمية التي تربط بين قارة أوروبا وآسيا..
- لكي يفرض السلطان العثماني سيطرته على مصر والشام كان عليه أولًا القضاء على حكم المماليك باعتبارهم القوة المهيمنة آنذاك.
- انطلقت المواجهات بين الطرفين بعدما حاول السلطان العثماني الاستفادة من الانقسامات بين ولاة المماليك ورغم تمكن المماليك من تحقيق انتصار أولي إلا أن الصراع لم يتوقف عند هذا الحد.
- شكلت معركة مرج دابق نقطة تحول حاسمة حيث استطاع العثمانيون هزيمة المماليك بفضل استخدامهم أسلحة حديثة ومدفعية قوية منحتهم تفوقًا كبيرًا في ساحة المعركة.
- تواصل الصراع حتى وقعت معركة الريدانية داخل القاهرة والتي تمكن فيها السلطان العثماني من القضاء على نفوذ المماليك وتثبيت حكمه في مصر لتنتقل السلطة إلى السلطان سليم الأول..
- حاول طومان باي بكل شجاعة التصدي للقوات العثمانية لكنه لم يتمكن من تحقيق النصر وعلى الرغم من إعجاب السلطان العثماني بشجاعته إلا أنه قرر تنفيذ حكم الإعدام بحقه عند باب زويلة.
- بعد القضاء على مقاومة طومان باي أعاد العثمانيون تنظيم إدارة الحكم وأسندوا السلطة إلى خيار بك قبل أن يتولى يوسف باشا مقاليد الحكم.
الإدارة العثمانية لمصر خلال فترة حكمها
عندما بسط السلطان العثماني نفوذه على مصر، أدرجها ضمن ولايات الدولة العثمانية وأصبحت ولاية تابعة لها وكان مركز الحكم الأساسي في تركيا حرص السلطان على وضع نظام إداري محكم لضمان استقرار مصر وإبقائها تحت سيطرته دون أي اضطرابات لهذا السبب قسّم إدارة الحكم في مصر إلى ثلاث سلطات محورية.
السلطة الأولى في الحكم
- يقع على رأسها الوالي الذي يمثّل السلطان العثماني في مصر ويتولى مسؤولية تنفيذ أوامره وإدارته لشؤون البلاد.
- كانت مهمته تقتصر على استلام التوجيهات من السلطان العثماني وإيصالها إلى الجهات التنفيذية داخل الولاية مع الإشراف على تنفيذها بدقة لضمان عدم حدوث أي تقصير.
السلطة الثانية في الحكم
- يُشرف عليها الجيش الذي قسّمه السلطان إلى ست فرق عسكرية، يرأس كل فرقة قائد مسؤول عن تنفيذ المهام الموكلة إليه.
- كان عدد الضباط في كل فرقة لا يتعدى ستة، مع فرض رقابة مشددة عليهم لضمان امتثالهم الكامل للأوامر دون أي تجاوز.
السلطة الثالثة في الحكم
- كانت هذه السلطة بيد المماليك الذين مثّلوا تحديًا كبيرًا للسلطان العثماني بسبب قوتهم وقدرتهم على التمرد.
- كان لدى السلطان خشية دائمة من انقلاباتهم عليه لذا اتّبع سياسة ذكية بدمجهم في الحكم عبر تعيين بعضهم حكامًا على الولايات المصرية وإشراكهم في إدارة شؤون البلاد.
- بهذه الطريقة، تمكّن السلطان من إحكام قبضته على مصر كولاية عثمانية دون منح الشعب أي تأثير في القرارات السياسية.
- كان هدفه الأساسي الاستفادة من ثروات مصر المختلفة سواء كانت مواردها الطبيعية أم موقعها الجغرافي الاستراتيجي.
- استمر الحكم العثماني لمصر قرابة مئتي عام وخلال هذه الفترة بدأت الدولة العثمانية تضعف تدريجيًا حتى وصلت إلى مرحلة الانهيار مما فتح المجال أمام مصر للتخلص من السيطرة العثمانية واستعادة استقلالها.
العوامل المؤدية إلى زوال الحكم العثماني في مصر
شهدت الفترة التي خضعَت فيها مصر لسيطرة العثمانيين والمماليك صراعات مُستمرة بين الطرفين حيث سعى كُل جَانب للاستئثار بالسُلطة دون الآخر مما أسفر عن أوضاع مضطربة انعكست سلبًا على المصريين الذين واجهوا أوضاعًا إدارية غير مُستقرة وتصرفات قاسية من الجانب العثماني وهو ما ترتب عليه عدة نتائج أبرزها:
- الضُغوط الاقتصادية الناجمة عن الضرائب الباهظة دفعت المصريين إلى القيام بثورات مُتكررة ضد العثمانيين رفضًا لهذه السياسات المالية الظالمة.
- الاستياء الشعبي لدى المصريين بلغ ذروته بسبب التسلُط العثماني مما أدى إلى تصاعُد موجات التمرد والثورات ضدهم.
- السلطان العُثماني واجه تهديدًا من وُلاته الذين سعوا للانفصال عن الحُكم العثماني وتأسيس كيانات مُستقلة الأمر الذي زاد من الفُجوة بين السُلطة المركزية والأقاليم التابعة لها.
- منح السُلطان العثماني لبعض الجهات نفوذًا واسعًا تجاوز حدود مهامها مما أدى إلى تدخلها المباشر في شؤون الحُكم الذي أسفر عن إضعاف السُلطة العثمانية وانتهى بانهيارها في مصر.
الأسباب التي ساهمت في إنهاء حقبة الولاية العثمانية على مصر
لِلحديث عن نهاية الحُكم العُثماني في مِصر يُمكن الإشارة إلى عدة أسباب رئيسية ساهَمت في إنهاء سيطرتهم:
- قِصَر فترة وَلاية الحُكّام العُثمانيين، وهو ما أتاح فُرصة كبيرة لعودة نفوذ المَماليك مُجددًا.
- قيام علي بك الكبير بحركة استقلالية ساهَمت في زَعزعة الحُكم العُثماني داخل مِصر.
- رَغْبَتُه في أنْ يُصبح شيخ البلد دَفَعته إلى تَجميع قُوة عَسكرية كبيرة وبعد ذلك تولّى المنصب رسميًا بقرار من الوالي.
- لكن مع تَزايد طُموحاته أصدر أمرًا باغتيال شيخ البلد ما تَسبَّب في نُشوب ثَورة ضِده.
- لاحقًا سَعَى إلى كسب تَأييد المماليك أمَلًا في توطيد سُلطته وتَأكيد سيطرتِه على مِصر.
- في الفَترة التي دَخلت فيها الدَّولة العُثمانية في صِراعٍ مَسلّح مع روسيا أعْلن وِلائه للباب العالي.
- لكِن السُلطان العُثماني لم يكن يَثق في وَلائه وكان يَشعر بالخَطر تُجاه نواياه الحَقيقية.
- رَوَّج بين المماليك إشاعة تُفيد بتَعيينه وَاليًا رَسميًا على مِصر من قِبل السُلطان العُثماني.
- أصدر فَرمانًا يَأمُر بالقَضاء على جميع المَماليك المُتواجدين داخل البلاد.
- هذا الأسلوب فَتح باب العداوة بينه وبينهم وساهَم في زَعزعة ثِقة المَماليك به.
- هذا ما دَفعهم إلى السعي لاِستعادة حُكمهم والمُطالبة بالاستقلال الفِعلي عن السُلطة العُثمانية.
- نتيجة لتطورات الأحداث قام المَماليك بِعزل الوالي العُثماني المُعين عليهم وطَرده خَارج مِصر.
- وبعد عزله اتفَقوا على تَنصيب علي باشا الكبير وَاليًا جديدًا على البِلاد.
- علي باشا الكبير كان الشخصية التي رَفضَتْ تَقديم الجِزية للسُلطان العُثماني عام 1769 مِما زاد مِن تَوتُّر العَلاقات بينهُما.
دُخول العُثمانيين إلى مِصر اعتُبِر أحد أكبر انتصاراتهم وكانُوا يَطمحون في جَعلها وِلاية دائمة تَحت نُفوذهم لكن فَترة حكم علي بك الكبير لم تَمتد طويلًا مما أدَّى إلى تَراجع قُدرتهم في الاحتِفاظ بها خَاصةً مع عَدم تَوفُّر القُوة العسكرية الكافية لاستعادتها لاحقًا وبعد أن تَعاقب عليها الاحتلال البريطاني والفرنسي شَهِدت مِصر نَهضة جديدة مكَّنتها من التَّحرر والاعلان عن استقلالها.