عرفت مصر عبر تاريخها الطويل رجالًا سجلوا أسماءهم بمداد الفخر لكن القليل منهم من صنع مجدها وكتب صفحات مشرقة في تاريخها ومن بينهم الزعيم سعد زغلول الذي كان مثالًا حيًا للشجاعة والإصرار في مواجهة الظلم استطاع أن يرفع صوت وطنه عاليًا في كل المحافل الدولية دون خوف أو تردد تعددت الرؤى حول شخصيته فبينما وجده المصريون أملًا في التحرر والانعتاق من الاحتلال البريطاني رأى فيه الإنجليز شخصية متمردة لا تهاب المواجهة لأنه كان أول من تحدى وجودهم في بلاده بكل قوة وصلابة فلم يكن غريبًا أن يصوروه بهذه النظرة.
مقدمة لبحث عن سيرة سعد زغلول
سعد زغلول يُعد من أبرز الشخصيات التي تركت أثرًا كبيرًا في تاريخ مصر حيث كان له دور محوري في تشكيل الوعي السياسي للمجتمع خلال فترته والمصريون أطلقوا عليه لقب “زعيم الأمة” لما قدمه من تضحيات وما جسّده من إرادة صلبة في السعي نحو استقلال الوطن لم يكن مجرد قائد سياسي بل كان رمزًا للكرامة والمقاومة واستطاع بأفكاره ومواقفه أن يضع بصمته في مسيرة النضال الوطني.
ورد في أحد الكتب التي تناولت سيرته جملة تعكس حقيقة الأوضاع التي كان يعيشها المصريون آنذاك: “إنَّ جهادها كله عبث، وإنَّ زعماءها كلهم عجزة أو مقصرون” كان هذا التصور يعكس الظلم الذي وقع على الشعب نتيجة الاحتلال والأوضاع السياسية الصعبة لكن سعد زغلول لم يكن ممن يقبلون الاستسلام أو يرضخون للواقع المفروض عليه.
كان معروفًا بشجاعته وإصراره على الدفاع عن حقوق الناس لم يكن يتراجع أمام التحديات بل كان يقف في وجه الظلم بكل قوة وحياته لم تكن خالية من الصعوبات فقد واجه عراقيل عديدة لكنه ظل ثابتًا على موقفه وكرس جهوده للنضال من أجل الاستقلال ولم يتخل عن مبادئه حتى اللحظات الأخيرة من حياته وكل ذلك جعله شخصية خالدة في تاريخ مصر ومصدر إلهام للأجيال التالية.
التعريف بالزعيم سعد زغلول ودوره التاريخي
سعد زغلول وُلد في الأول من يونيو 1860م وهناك بعض الاختلافات حول التاريخ الدقيق لميلاده إلا أن هذا التاريخ هو الأكثر شيوعًا كان والده الشيخ إبراهيم زغلول الذي كان يشغل منصب عمدة القرية أما والدته فتنتمي إلى عائلة بارزة وهي ابنة الشيخ عبده بركات الذي كان له مكانة اجتماعية بارزة في تلك الفترة نشأ سعد في بيئة تُقدّر العراقة وتحترم القيم وعُرف منذ صغره بتمسكه بالأخلاق الكريمة وإصراره القوي على تحقيق أهدافه.
بدأ رحلته التعليمية في كُتّاب قريته حتى بلغ الحادية عشرة من عمره ثم التحق بالأزهر الشريف لمواصلة تعليمه على يد نخبة من العلماء والمشايخ المتميزين وكان لهذه المرحلة أثر كبير في تشكيل وعيه وبناء ثقافته.
عندما تولى الشيخ محمد عبده مسؤولية تحرير جريدة الوقائع المصرية لفت انتباهه ذكاء سعد وتميزه فاختاره ليكون مسؤولًا عن القسم الأدبي تمكن من إثبات كفاءته في هذا المجال ومع اندلاع الثورة العُرابية كان من بين المشاركين فيها وساهم بجهوده في تأييدها.
منذ انضمامه للحراك الثوري لم تتوقف التحديات التي واجهها حيث تعرض للاعتقال وخسر الكثير من الامتيازات كان من أبرزها فقدانه لوظيفته التي اجتهد سنوات للحصول عليها كما عانى من الظلم والتهميش بسبب تأييده “لأحمد عرابي”.
المحطات الرئيسية في مسيرة سعد زغلول
بعد فقدانه لوظيفته وتحوله إلى إحدى الشخصيات البارزة في الثورة كان عليه أن يبحث عن مهنة تمنحه القدرة على الدفاع عن نفسه خاصة في ظل الاعتقالات المتكررة والمشكلات التي واجهها وهو ما جعله يمر بعدد من المحطات المختلفة في حياته:
الانخراط في مهنة المحاماة:
- في تلك الفترة لم تكن مهنة المحاماة تحظى بتقدير كبير لكن سعد زغلول أحدث تغييرًا في هذا المفهوم بعد أن تعمق فيها وقام بتأسيس مكتب محاماة بالشراكة مع صديقه حسين صقر.
- حظي بثقة كبيرة بسبب نزاهته وتمسكه بالعدالة ووقوفه المستمر إلى جانب شعبه في وجه الظلم ما أدى إلى اختياره كعضو في اللجان التي كانت مسؤولة عن تعديل قانون العقوبات.
- السمعة الطيبة التي كوّنها والمكانة التي وصل إليها جعلت الأميرة “نازلي” تختاره ليكون وكيلًا لأعمالها.
الانتقال إلى مجال القضاء:
- مع مرور الوقت تم تعيينه نائبًا لقاضٍ في محكمة الاستئناف واستمر في العمل بالسلك القضائي على مدى 14 عامًا تدرج خلالها في المناصب حتى أصبح مستشارًا.
- نتيجة لخبرته الكبيرة، كان عضوًا رئيسيًا في دوائر الجنايات والجنح المستأنفة كما عمل لفترة في محكمة النقض.
دوره في تطوير التعليم:
- تم تعيينه مستشارًا في وزارة المعارف عام 1906م وكان له دور بارز في النهوض بالتعليم في مصر.
- ساهم في تأسيس الجامعة المصرية ومدرسة القضاء الشرعي كما عمل على رفع ميزانية التعليم بشكل ملحوظ وحرص على مكافحة الأمية عبر إنشاء كتاتيب في القرى.
- اتخذ خطوات لإعادة تدريس العديد من المواد باللغة العربية وكانت آخر محطاته الوزارية توليه وزارة الحقانية إلا أن تضارب المصالح مع الاحتلال البريطاني دفعه إلى تقديم استقالته.
تأسيس حزب الوفد:
- بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عانى الشعب المصري من أوضاع صعبة تمثلت في البطالة والتجنيد الإجباري وفرض زراعة محاصيل معينة تخدم مصالح الجيش البريطاني.
- دفعه هذا الواقع إلى السعي لتأسيس حزب الوفد بهدف تمثيل المصريين والمطالبة باستقلال البلاد.
- بدأ بجمع التوقيعات لدعم مطالب الاستقلال لكن هذا الأمر أثار غضب الاحتلال الذي قرر اعتقاله ونفيه إلى جزيرة مالطا.
ثورة 1919 وأبرز تداعياتها:
- بعد نفيه شهدت مصر موجة من الغضب حيث خرجت المظاهرات في مختلف أنحاء البلاد وكان طلاب الأزهر في مقدمة الصفوف.
- أدت هذه الاحتجاجات إلى توقف وسائل النقل في مختلف المناطق وهو ما دفع الاحتلال إلى الإفراج عن سعد زغلول وإعادته إلى مصر.
- سمح له بالسفر إلى مؤتمر الصلح لمحاولة تحقيق الاستقلال إلا أن المفاوضات لم تكلل بالنجاح.
- رغم فشل المفاوضات وصلت لجنة خاصة لدراسة الأوضاع في مصر وأقرت بأهمية استقلالها ولكن مع وضع توصيات تحافظ على المصالح البريطانية.
- عند عودته إلى مصر لاقى ترحيبًا شعبيًا كبيرًا culminated بتعيينه رئيسًا للوزراء.
رحيل سعد زغلول وأبرز محطات حياته الأخيرة
رحل سعد زغلول عن عالمنا عام 1927م وكان لهذا الحدث وقع عظيم أثر في نفوس المصريين الذين نعوه بحزن شديد وتم دفنه بدايةً في مقبرة الإمام الشافعي لكن في عام 1931م تم نقل رفاته إلى ضريح شُيّد خصيصًا له بالقرب من بيت الأمة تقديرًا لدوره الوطني ونضاله المستمر وأظهر الشعب المصري مدى تقديره لهذه الشخصية الوطنية بإقامة تمثالين يخلّدان ذكراه ويبقيان اسمه حاضرًا في وجدان الأجيال القادمة.
خاتمة البحث حول مسيرة سعد زغلول
خلاصة بحث عن تاريخ سعد زغلول قد يكون التاريخ المصري زاخرًا بالعديد من الشخصيات التي ساهمت في استقلال مصر إلا أن قلة قليلة منها استطاعت أن تترك أثرًا مثل سعد زغلول الذي عُرف بشجاعته منذ الصغر وحتى وفاته ومواقفه ظلّت دومًا منحازة للحق ورافضة للظلم كما أنه خاض العديد من التحديات وعانى من أشكال القمع والمضايقات طوال مسيرته.
